الأربعاء، 18 فبراير 2009

وصف القرآن الكريم لما يحدث يوم القيامة

وصف القرآن الكريم لما يحدث يوم القيامة

وكيفية جزاء المؤمن وعقاب الكافر

سورة الحاقة - من الآية (13) إلى الآية(33) - تفسير ابن كثير

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ

فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13)
يَقُول تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ أَهْوَال يَوْم الْقِيَامَة وَأَوَّل ذَلِكَ نَفْخَة الْفَزَع ثُمَّ يُعْقِبهَا نَفْخَة الصَّعْق حِين يَصْعَق مَنْ فِي السَّمَوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه ثُمَّ بَعْدهَا نَفْخَة الْقِيَام لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَالْبَعْث وَالنُّشُور وَهِيَ هَذِهِ النَّفْخَة وَقَدْ أَكَّدَهَا هَهُنَا بِأَنَّهَا وَاحِدَة لِأَنَّ أَمْر اللَّه لَا يُخَالَف وَلَا يُمَانَع وَلَا يَحْتَاج إِلَى تَكْرَار وَلَا تَأْكِيد وَقَالَ الرَّبِيع هِيَ النَّفْخَة الْأَخِيرَة وَالظَّاهِر مَا قُلْنَاهُ.

وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14)
وَلِهَذَا قَالَ هَهُنَا " وَحُمِلَتْ الْأَرْض وَالْجِبَال فَدُكَّتَا دَكَّة وَاحِدَة " أَيْ فَمُدَّتْ مَدّ الْأَدِيم الْعِكَاظِيّ وَتَبَدَّلَتْ الْأَرْض غَيْر الْأَرْض .

فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15)
أَيْ قَامَتْ الْقِيَامَة .

وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16)
قَالَ سِمَاك عَنْ شَيْخ مِنْ بَنِي أَسَد عَنْ عَلِيّ قَالَ : تَنْشَقّ السَّمَاء مِنْ الْمَجَرَّة رَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم وَقَالَ اِبْن جُرَيْج هِيَ كَقَوْلِهِ " وَفُتِحَتْ السَّمَاء فَكَانَتْ أَبْوَابًا " وَقَالَ اِبْن عَبَّاس مُتَخَرِّقَة وَالْعَرْش بِحِذَائِهَا .

وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17)
" وَالْمَلَك عَلَى أَرْجَائِهَا " الْمَلَك اِسْم جِنْس أَيْ الْمَلَائِكَة عَلَى أَرْجَاء السَّمَاء قَالَ اِبْن عَبَّاس عَلَى مَا لَمْ يَنْشَقّ مِنْهَا أَيْ حَافَاتهَا وَكَذَا قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَالْأَوْزَاعِيّ وَقَالَ الضَّحَّاك أَطْرَافهَا وَقَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ أَبْوَابهَا وَقَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس فِي قَوْله " وَالْمَلَك عَلَى أَرْجَائِهَا " يَقُول عَلَى مَا اِسْتَدَقَّ مِنْ السَّمَاء يَنْظُرُونَ إِلَى أَهْل الْأَرْض وَقَوْله تَعَالَى " وَيَحْمِل عَرْش رَبّك فَوْقهمْ يَوْمئِذٍ ثَمَانِيَة " أَيْ يَوْم الْقِيَامَة يَحْمِل الْعَرْش ثَمَانِيَة مِنْ الْمَلَائِكَة وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِهَذَا الْعَرْش الْعَرْش الْعَظِيم أَوْ الْعَرْش الَّذِي يُوضَع فِي الْأَرْض يَوْم الْقِيَامَة لِفَصْلِ الْقَضَاء وَاَللَّه أَعْلَم بِالصَّوَابِ وَفِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عُمَيْرَة عَنْ الْأَحْنَف بْن قَيْس عَنْ الْعَبَّاس بْن عَبْد الْمُطَّلِب فِي ذِكْر حَمَلَة الْعَرْش أَنَّهُمْ ثَمَانِيَة أَوْعَال وَقَالَ اِبْن أَبَى حَاتِم حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيد يَحْيَى بْن سَعِيد حَدَّثَنَا زَيْد بْن الْحُبَاب حَدَّثَنِي أَبُو السَّمْح الْبَصْرِيّ حَدَّثَنَا أَبُو قَبِيل حُيَيّ بْن هَانِئ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو يَقُول : حَمَلَة الْعَرْش ثَمَانِيَة مَا بَيْن مُوق أَحَدهمْ إِلَى مُؤَخَّر عَيْنه مَسِيرَة مِائَة عَام . وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أُبَيّ قَالَ كُتِبَ إِلَى أَحْمَد بْن حَفْص بْن عَبْد اللَّه النَّيْسَابُورِيّ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن طَهْمَان عَنْ مُوسَى بْن عُقْبَة عَنْ مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر عَنْ جَابِر قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثكُمْ عَنْ مَلَك مِنْ حَمَلَة الْعَرْش بُعْد مَا بَيْن شَحْمَة أُذُنه وَعُنُقه بِخَفْقِ الطَّيْر سَبْعمِائَةِ عَام " وَهَذَا إِسْنَاد جَيِّد رِجَاله كُلّهمْ ثِقَات وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي كِتَاب السُّنَّة مِنْ سُنَنه حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن حَفْص بْن عَبْد اللَّه حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن طَهْمَان عَنْ مُوسَى بْن عُقْبَة عَنْ مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّث عَنْ مَلَك مِنْ مَلَائِكَة اللَّه تَعَالَى مِنْ حَمَلَة الْعَرْش أَنَّ مَا بَيْن شَحْمَة أُذُنه إِلَى عَاتِقه مَسِيرَة سَبْعمِائَةِ عَام " هَذَا لَفْظ أَبِي دَاوُد . وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَة حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن الْمُغِيرَة حَدَّثَنَا جَرِير عَنْ أَشْعَث عَنْ جَعْفَر عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر فِي قَوْله تَعَالَى " وَيَحْمِل عَرْش رَبّك فَوْقهمْ يَوْمئِذٍ ثَمَانِيَة " قَالَ ثَمَانِيَة صُفُوف مِنْ الْمَلَائِكَة قَالَ : وَرُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيّ وَعِكْرِمَة وَالضَّحَّاك وَابْن جُرَيْج مِثْل ذَلِكَ وَكَذَا رَوَى السُّدِّيّ عَنْ أَبِي مَالِك عَنْ اِبْن عَبَّاس ثَمَانِيَة صُفُوف وَكَذَا رَوَى الْعَوْفِيّ عَنْهُ وَقَالَ الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس الْكَرُوبِيُّونَ ثَمَانِيَة أَجْزَاء كُلّ جُزْء مِنْهُمْ بِعِدَّةِ الْإِنْس وَالْجِنّ وَالشَّيَاطِين وَالْمَلَائِكَة .

يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18)
أَيْ تُعْرَضُونَ عَلَى عَالِم السِّرّ وَالنَّجْوَى الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ أُمُوركُمْ بَلْ هُوَ عَالِم بِالظَّوَاهِرِ وَالسَّرَائِر وَالضَّمَائِر وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَة " وَقَدْ قَالَ اِبْن أَبِي الدُّنْيَا أَخْبَرَنَا إِسْحَاق بْن إِسْمَاعِيل أَخْبَرَنَا سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ عَنْ جَعْفَر بْن بَرْقَان عَنْ ثَابِت بْن الْحَجَّاج قَالَ : قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ حَاسِبُوا أَنْفُسكُمْ قَبْل أَنْ تُحَاسَبُوا وَزِنُوا أَنْفُسكُمْ قَبْل أَنْ تُوزَنُوا فَإِنَّهُ أَخَفّ عَلَيْكُمْ فِي الْحِسَاب غَدًا أَنْ تُحَاسِبُوا أَنْفُسكُمْ الْيَوْم وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الْأَكْبَر" يَوْمئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَة " وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا وَكِيع حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن رِفَاعَة عَنْ الْحَسَن عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يُعْرَض النَّاس يَوْم الْقِيَامَة ثَلَاث عَرْضَات فَأَمَّا عَرْضَتَانِ فَجِدَال وَمَعَاذِير وَأَمَّا الثَّالِثَة فَعِنْد ذَلِكَ تَطِير الصُّحُف فِي الْأَيْدِي فَآخِذ بِيَمِينِهِ وَآخِذ بِشِمَالِهِ" وَرَوَاهُ اِبْن مَاجَهْ عَنْ أَبِي بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة عَنْ وَكِيع عَنْ عَلِيّ بْن الْحُسَيْن عَنْ أَبِي هُرَيْرَة بِهِ وَقَدْ رَوَى اِبْن جَرِير عَنْ مُجَاهِد بْن مُوسَى عَنْ يَزِيد بْن سُلَيْم بْن حَيَّان عَنْ مَرْوَان الْأَصْغَر عَنْ أَبِي وَائِل عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : يُعْرَض النَّاس يَوْم الْقِيَامَة ثَلَاث عَرْضَات عَرْضَتَانِ مَعَاذِير وَخُصُومَات وَالْعَرْضَة الثَّالِثَة تَطِير الصُّحُف فِي الْأَيْدِي فَآخِذ بِيَمِينِهِ وَآخِذ بِشِمَالِهِ وَرَوَاهُ سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة عَنْ قَتَادَة مُرْسَلًا مِثْله .

فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19)
يُخْبِر تَعَالَى عَنْ سَعَادَة مَنْ يُؤْتَى كِتَابه يَوْم الْقِيَامَة بِيَمِينِهِ وَفَرَحه بِذَلِكَ وَأَنَّهُ مِنْ شِدَّة فَرَحه يَقُول لِكُلِّ مَنْ لَقِيَهُ " هَاؤُمُ اِقْرَءُوا كِتَابِيَهْ" أَيْ خُذُوا اِقْرَءُوا كِتَابِيَهْ لِأَنَّهُ يَعْلَم أَنَّ الَّذِي فِيهِ خَيْر وَحَسَنَات مَحْضَة لِأَنَّهُ مِمَّنْ بَدَّلَ اللَّه سَيِّئَاته حَسَنَات

قَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد مَعْنَى " هَاؤُمُ اِقْرَءُوا كِتَابِيَهْ " أَيْ هَا اِقْرَءُوا كِتَابِيَهْ وَؤُمُ زَائِدَة كَذَا قَالَ وَالظَّاهِر أَنَّهَا بِمَعْنَى هَاكُم وَقَدْ قَالَ اِبْن أَبَى حَاتِم حَدَّثَنَا بِشْر بْن مَطَر الْوَاسِطِيّ حَدَّثَنَا يَزِيد بْن هَارُون أَخْبَرَنَا عَاصِم الْأَحْوَل عَنْ أَبِي عُثْمَان قَالَ : الْمُؤْمِن يُعْطَى كِتَابه بِيَمِينِهِ فِي سِتْر مِنْ اللَّه فَيَقْرَأ سَيِّئَاته فَكُلَّمَا قَرَأَ سَيِّئَة تَغَيَّرَ لَوْنه حَتَّى يَمُرّ بِحَسَنَاتِهِ فَيَقْرَؤُهَا فَيَرْجِع إِلَيْهِ لَوْنه ثُمَّ يَنْظُر فَإِذَا سَيِّئَاته قَدْ بُدِّلَتْ حَسَنَات قَالَ فَعِنْد ذَلِكَ يَقُول هَاؤُمُ اِقْرَءُوا كِتَابِيَهْ . وَحَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن الْوَلِيد بْن سَلَمَة حَدَّثَنَا رَوْح بْن عُبَادَة حَدَّثَنَا مُوسَى بْن عُبَيْدَة أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن حَنْظَلَة غَسِيل الْمَلَائِكَة قَالَ إِنَّ اللَّه يُوقِف عَبْده يَوْم الْقِيَامَة فَيُبْدِي أَيْ يُظْهِر سَيِّئَاته فِي ظَهْر صَحِيفَته فَيَقُول لَهُ أَنْتَ عَمِلْت هَذَا فَيَقُول نَعَمْ أَيْ رَبّ فَيَقُول لَهُ إِنِّي لَمْ أَفْضَحك بِهِ وَإِنِّي قَدْ غَفَرْت لَك . فَيَقُول عِنْد ذَلِكَ هَاؤُمُ اِقْرَءُوا كِتَابِيَهْ " إِنِّي ظَنَنْت أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ " حِين نَجَا مِنْ فَضِيحَته يَوْم الْقِيَامَة وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الصَّحِيح حَدِيث اِبْن عُمَر حِين سُئِلَ عَنْ النَّجْوَى فَقَالَ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول " يُدْنِي اللَّه الْعَبْد يَوْم الْقِيَامَة فَيُقَرِّرهُ بِذُنُوبِهِ كُلّهَا حَتَّى إِذَا رَأَى أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ قَالَ اللَّه تَعَالَى إِنِّي سَتَرْتهَا عَلَيْك فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرهَا لَك الْيَوْم ثُمَّ يُعْطَى كِتَاب حَسَنَاته بِيَمِينِهِ وَأَمَّا الْكَافِر وَالْمُنَافِق فَيَقُول الْأَشْهَاد هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبّهمْ أَلَا لَعْنَة اللَّه عَلَى الظَّالِمِينَ " .

إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20)
وَقَوْله تَعَالَى " إِنِّي ظَنَنْت أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ " أَيْ قَدْ كُنْت مُوقِنًا فِي الدُّنْيَا أَنَّ هَذَا الْيَوْم كَائِن لَا مَحَالَة كَمَا قَالَ تَعَالَى " الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبّهمْ " .

فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21)
أَيْ مَرْضِيَّة .

فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22)
أَيْ رَفِيعَة قُصُورهَا حِسَان حُورهَا نَعِيمَة دُورهَا دَائِم حُبُورهَا . قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو عُتْبَة الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن مُسْلِم السَّكُونِيّ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاش عَنْ سَعِيد بْن يُوسُف عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير عَنْ أَبِي سَلَّام الْأَسْوَد قَالَ سَمِعْت أَبَا أُمَامَة قَالَ سَأَلَ رَجُل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ يَتَزَاوَر أَهْل الْجَنَّة قَالَ " نَعَمْ إِنَّهُ لَيَهْبِط أَهْل الدَّرَجَة الْعُلْيَا إِلَى أَهْل الدَّرَجَة السُّفْلَى فَيُحَيُّونَهُمْ وَيُسَلِّمُونَ عَلَيْهِمْ وَلَا يَسْتَطِيع أَهْل الدَّرَجَة السُّفْلَى يَصْعَدُونَ إِلَى الْأَعْلَيْنَ تَقْصُر بِهِمْ أَعْمَالهمْ " وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيح " إِنَّ الْجَنَّة مِائَة دَرَجَة مَا بَيْن كُلّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض " .

قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23)
قَالَ الْبَرَاء بْن عَازِب أَيْ قَرِيبَة يَتَنَاوَلهَا أَحَدهمْ وَهُوَ نَائِم عَلَى سَرِيره وَكَذَا قَالَ غَيْر وَاحِد قَالَ الطَّبَرَانِيّ عَنْ الدَّبَرِيّ عَنْ سُفْيَان الثَّوْرِيّ عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن زِيَاد بْن أَنْعُم عَنْ عَطَاء بْن يَسَار عَنْ سَلْمَان الْفَارِسِيّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" لَا يَدْخُل أَحَد الْجَنَّة إِلَّا بِجَوَازِ : بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا كِتَاب مِنْ اللَّه لِفُلَانِ بْن فُلَان أَدْخِلُوهُ جَنَّة عَالِيَة قُطُوفهَا دَانِيَة " وَكَذَا رَوَاهُ الضِّيَاء فِي صِفَة الْجَنَّة مِنْ طَرِيق سَعْدَان بْن سَعِيد بْن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ عَنْ أَبِي عُثْمَان النَّهْدِيّ عَنْ سَلْمَان عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " يُعْطَى الْمُؤْمِن جَوَازًا عَلَى الصِّرَاط : بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا كِتَاب مِنْ اللَّه الْعَزِيز الْحَكِيم لِفُلَانٍ أَدْخِلُوهُ جَنَّة عَالِيَة قُطُوفهَا دَانِيَة " .

كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)
أَيْ يُقَال لَهُمْ ذَلِكَ تَفَضُّلًا عَلَيْهِمْ وَامْتِنَانًا وَإِنْعَامًا وَإِحْسَانًا وَإِلَّا فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيح عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " اِعْمَلُوا وَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَنْ يُدْخِلهُ عَمَله الْجَنَّة " قَالُوا وَلَا أَنْتَ يَا رَسُول اللَّه قَالَ " وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدنِي اللَّه بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْل " .

وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابَيهُ (25)
وَهَذَا إِخْبَار عَنْ حَال الْأَشْقِيَاء إِذَا أُعْطِيَ أَحَدهمْ كِتَابه فِي الْعَرَصَات بِشِمَالِهِ فَحِينَئِذٍ يَنْدَم غَايَة النَّدَم " فَيَقُول يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يَا لَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَة " قَالَ الضَّحَّاك يَعْنِي مَوْته لَا حَيَاة بَعْدهَا وَكَذَا قَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب وَالرَّبِيع وَالسُّدِّيّ وَقَالَ قَتَادَة تَمَنَّى الْمَوْت وَلَمْ يَكُنْ شَيْء فِي الدُّنْيَا أَكْرَه إِلَيْهِ مِنْهُ.

وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26)

وَهَذَا إِخْبَار عَنْ حَال الْأَشْقِيَاء إِذَا أُعْطِيَ أَحَدهمْ كِتَابه فِي الْعَرَصَات بِشِمَالِهِ فَحِينَئِذٍ يَنْدَم غَايَة النَّدَم " فَيَقُول يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يَا لَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَة " قَالَ الضَّحَّاك يَعْنِي مَوْته لَا حَيَاة بَعْدهَا وَكَذَا قَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب وَالرَّبِيع وَالسُّدِّيّ وَقَالَ قَتَادَة تَمَنَّى الْمَوْت وَلَمْ يَكُنْ شَيْء فِي الدُّنْيَا أَكْرَه إِلَيْهِ مِنْهُ.

يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَة (27)
وَهَذَا إِخْبَار عَنْ حَال الْأَشْقِيَاء إِذَا أُعْطِيَ أَحَدهمْ كِتَابه فِي الْعَرَصَات بِشِمَالِهِ فَحِينَئِذٍ يَنْدَم غَايَة النَّدَم " فَيَقُول يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يَا لَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَة " قَالَ الضَّحَّاك يَعْنِي مَوْته لَا حَيَاة بَعْدهَا وَكَذَا قَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب وَالرَّبِيع وَالسُّدِّيّ وَقَالَ قَتَادَة تَمَنَّى الْمَوْت وَلَمْ يَكُنْ شَيْء فِي الدُّنْيَا أَكْرَه إِلَيْهِ مِنْهُ.

مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28)
" مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ " أَيْ لَمْ يَدْفَع عَنِّي مَالِي وَلَا جَاهِي عَذَاب اللَّه وَبَأْسه بَلْ خَلَصَ الْأَمْر إِلَيَّ وَحْدِي فَلَا مُعِين لِي وَلَا مُجِير .

هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29)
" مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ " أَيْ لَمْ يَدْفَع عَنِّي مَالِي وَلَا جَاهِي عَذَاب اللَّه وَبَأْسه بَلْ خَلَصَ الْأَمْر إِلَيَّ وَحْدِي فَلَا مُعِين لِي وَلَا مُجِير .

خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30)
فَعِنْدهَا يَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيم صَلُّوهُ " أَيْ يَأْمُر الزَّبَانِيَة أَنْ تَأْخُذهُ عُنْفًا مِنْ الْمَحْشَر فَتَغُلّهُ أَيْ تَضَع الْأَغْلَال فِي عُنُقه ثُمَّ تُورِدهُ إِلَى جَهَنَّم فَتُصْلِيه إِيَّاهَا أَيْ تَغْمُرهُ فِيهَا . قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيد الْأَشَجّ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِد عَنْ عَمْرو بْن قَيْس عَنْ الْمِنْهَال بْن عَمْرو قَالَ إِذَا قَالَ اللَّه تَعَالَى خُذُوهُ اِبْتَدَرَهُ سَبْعُونَ أَلْف مَلَك إِنَّ الْمَلَك مِنْهُمْ لَيَقُول هَكَذَا فَيُلْقِي سَبْعِينَ أَلْفًا فِي النَّار وَرَوَى اِبْن أَبِي الدُّنْيَا فِي الْأَهْوَال أَنَّهُ يَبْتَدِرهُ أَرْبَعمِائَةِ أَلْف وَلَا يَبْقَى شَيْء إِلَّا دَقَّهُ فَيَقُول مَالِي وَلَك فَيَقُول : إِنَّ الرَّبّ عَلَيْك غَضْبَان فَكُلّ شَيْء غَضْبَان عَلَيْك وَقَالَ الْفُضَيْل بْن عِيَاض : إِذَا قَالَ الرَّبّ عَزَّ وَجَلَّ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ اِبْتَدَرَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا أَيّهمْ يَجْعَل الْغُلّ فِي عُنُقه .

ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31)
أَيْ اُغْمُرُوهُ فِيهَا .

ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32)
قَالَ كَعْب الْأَحْبَار كُلّ حَلْقَة مِنْهَا قَدْر حَدِيد الدُّنْيَا وَقَالَ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَابْن جُرَيْج بِذِرَاعِ الْمَلِك . قَالَ اِبْن جُرَيْج قَالَ اِبْن عَبَّاس " فَاسْلُكُوهُ " تَدْخُل فِي اِسْته ثُمَّ تَخْرُج مِنْ فِيهِ ثُمَّ يُنْظَمُونَ فِيهَا كَمَا يُنْظَم الْجَرَاد فِي الْعُود حِين يُشْوَى وَقَالَ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس يُسْلَك فِي دُبُره حَتَّى يَخْرُج مِنْ مَنْخِرَيْهِ حَتَّى لَا يَقُوم عَلَى رِجْلَيْهِ وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن إِسْحَاق أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه أَخْبَرَنَا سَعِيد بْن يَزِيد عَنْ أَبِي السَّمْح عَنْ عِيسَى بْن هِلَال الصَّدَفِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَوْ أَنَّ رُضَاضَة مِثْل هَذِهِ - وَأَشَارَ إِلَى جُمْجُمَة - أُرْسِلَتْ مِنْ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض وَهِيَ مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ سَنَة لَبَلَغَتْ الْأَرْض قَبْل اللَّيْل وَلَوْ أَنَّهَا أُرْسِلَتْ مِنْ رَأْس السِّلْسِلَة لَسَارَتْ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا اللَّيْل وَالنَّهَار قَبْل أَنْ تَبْلُغ قَعْرهَا أَوْ أَصْلهَا " وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ عَنْ سُوَيْد بْن سَعِيد عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك بِهِ وَقَالَ هَذَا حَدِيث حَسَن .

إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33)
وَقَوْله تَعَالَى" إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِن بِاَللَّهِ الْعَظِيم وَلَا يَحُضّ عَلَى طَعَام الْمِسْكِين " أَيْ لَا يَقُوم بِحَقِّ اللَّه عَلَيْهِ مِنْ طَاعَته وَعِبَادَته وَلَا يَنْفَع خَلْقه وَيُؤَدِّي حَقّهمْ فَإِنَّ لِلَّهِ عَلَى الْعِبَاد أَنْ يُوَحِّدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَلِلْعِبَادِ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض حَقّ الْإِحْسَان وَالْمُعَاوَنَة عَلَى الْبِرّ وَالتَّقْوَى وَلِهَذَا أَمَرَ اللَّه بِإِقَامِ الصَّلَاة وَإِيتَاء الزَّكَاة وَقُبِضَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُول : " الصَّلَاة وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ " . وَقَوْله تَعَالَى " إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِن بِاَللَّهِ الْعَظِيم وَلَا يَحُضّ عَلَى طَعَام الْمِسْكِين " أَيْ لَا يَقُوم بِحَقِّ اللَّه عَلَيْهِ مِنْ طَاعَته وَعِبَادَته وَلَا يَنْفَع خَلْقه وَيُؤَدِّي حَقّهمْ فَإِنَّ لِلَّهِ عَلَى الْعِبَاد أَنْ يُوَحِّدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَلِلْعِبَادِ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض حَقّ الْإِحْسَان وَالْمُعَاوَنَة عَلَى الْبِرّ وَالتَّقْوَى وَلِهَذَا أَمَرَ اللَّه بِإِقَامِ الصَّلَاة وَإِيتَاء الزَّكَاة وَقُبِضَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُول : " الصَّلَاة وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ " .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق